فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

سورة الانفطار:
{إِذَا السماء انفطرت} أي انشقت {وَإِذَا الكواكب انتثرت} أي سقطت من مواضعها {وَإِذَا البحار فجرت} أي فرغت وقيل: فجر بعضها إلى بعض فاختلط {وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} أي نبشت على الموتى الذين فيها، وقال الزمخشري: أصله من البعث والبحث فضمت إليها الراء والمعنى بحثت وأخرج موتاها {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأخرت} هاذ هو الجواب ومعناه: علمت كل نفس جميع أعمالها، وقيل ما قدمت في حياتها وما أخرت مما تركته بعد موتها من سنَّتها أو وصيَّة أوصت بها، وأفردت النفس والمراد به العموم حسبما ذكرنا في التكوير.
{يا أيها الإنسان} خطاب لجنس بني آدم {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم} هذا توبيخ وعتاب معناه: أي شيء غرّك بربك حتى كفرت به أو عصيته، أو غفلت عنه فدخل في العتاب الكفار وعصاة المؤمنين، ومن يغفل عن الله في بعض الأحياء من الصالحين. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {ما غرّك بربك الكريم} فقال: «غرّه جهله» وقال عمر: غرّه جهله وحمقه. وقرأ: {إنه كان ظلوماً جهولاً}، وقيل: غرّه الشيطان المسلط عليه.
وقيل: غرّه ستر الله عليه وقيل: غرّه طمعه في عفو الله عنه. ولا تعارض بين هذه الأقوال لأن كل واحد منهما مما يغرّ الإنسان، إلا أن بعضها يغرّ قوماً وبعضها يغر قوماً آخرين.
فإن قيل: ما مناسبة وصفه بالكريم هنا للتوبيخ على الغرور؟
فالجواب: أن الكريم ينبغي أن يعبد ويطاع شكراً لإحسانه ومقابلة لكرمه، ومن لم يفعل ذلك فقد كفر النعمة وأضاع الشكر الواجب {فعدلك} بالتشديد والتخفيف أي عدل أعضاءك وجعلها متوازية فلم يجعل إحدى اليدين أطول من الأخرى، ولا إحدى العينين أكبر من الأخرى ولا إحداهما كحلاء والأخرى زرقاء ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود وشبه ذلك من الموازنة {في أي صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} المجرور يتعلق بركبك وما زائدة، والمعنى ركبك في أي صورة شاء من الحسن والقبح، والطول والقصر، والذكورة والأنوثة، وغير ذلك من اختلاف الصور، ويحتمل أن يتعلق المجرور بمحذوف تقديره: ركبك حاصلاً في أي صورة، وقيل: يتعلق بعدلك على أن يكون بمعنى صرفك إلى أي صورة شاء، هذا بعيد، ولا يمكن إلا مع قرءاة {عدلك} بالتخفيف.
{كَلاَّ} ردع الغرور المذكور قبل، والتكذيب المذكور بعد {بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدين} هذا خطاب للكفار والدين هنا يحتمل أن يكون بمعنى الشريعة أو الحساب أو الجزاء {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} يعني الملائكة الذين يكتبون أعمال بني آدم {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} يعلمون الأعمال لمشاهدتهم لها، وأما ما لا يرى ولا يسمع من الخواطر والنيات والذكر بالقلب فقيل: إن الله ينفرد بعلم ذلك، وقيل إن الملك يجد لها ريحاً يدركها به {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ} في هذه الآية وفيما بعدها من أدوات البيان المطابقة والترصيع {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغائبين} فيه قولان:
أحدهما: أن معناه لا يخرجون منها إذا دخلوها.
والآخر: لا يغيبون عنها في البرزخ قبل دخولها لأنهم يعرضون عليها غدواً وعشياً {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يوم الدين} تعظيم له وتهويل، وكررّه للتأكيد والمعنى أنه من شدته بحيث لا يدري أحد مقدار هوله وعظمته.
{يوم لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} أي لا يقدر أحد على منفعة أحد، وقرئ {يوم} بالرفع على البدل من {يوم الدين}، أو على إضمار مبتدأ، أو بالنصب على الظرفية بإضمار فعل تقديره فعل يجازون يوم الدين أو النصب على المفعولية بإضمار فعل تقديره اذكر، ويجوز أن يفتح لإضافته إلى غير متمكن وهو في موضع رفع. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الانفطار:
مكية.
وآيها تسع عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا السماء انفطرت} انشقت.
{وَإِذَا الكواكب انتثرت} تساقطت متفرقة.
{وَإِذَا البحار فجرت} فتح بعضها إلى بعض فصار الكل بحراً واحدًّا.
{وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ} قلب ترابها وأخرج موتاها. وقيل إنه مركب من بعث وراء الإثارة كبسمل ونظيره بحثر لفظاً ومعنى.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ} من عمل أو صدقة.
{وَأخرت} من سيئة أو تركت، ويجوز أن يراد بالتأخير التضييع وهو جواب {إِذَا}.
{يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه، وذكر {الكريم} للمبالغة في المنع عن الاغترار فإن محض الكرم لا يقتضي إهمال الظالم وتسوية الموالي والمعادي والمطيع والعاصي، فكيف إذا انضم إليه صفة القهر والانتقام والإِشعار بما به يغره الشيطان، فإنه يقول له افعل ما شئت فربك كريم لا يعذب أحدًّا ولا يعاجل بالعقوبة، والدلالة على أن كثرة كرمه تستدعي الجد في طاعته لا الانهماك في عصيانه اغتراراً بكرمه.
{الذى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك} صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم منبهة على أن من قدر على ذلك أولاً قدر عليه ثانياً، والتسوية جعل الأعضاء سليمة مسواة معدة لمنافعها، والتعديل جعل البنية معدلة متناسبة الأعضاء، أو معدلة بما تسعدها من القوى.
وقرأ الكوفيون {فعدلك} بالتخفيف أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، أو فصرفك عن خلقه غيرك وميزك بخلقة فارقت خلقة سائر الحيوان.
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} أي ركبك في أي صورة شاءها، و{مَا} مزيدة وقيل شرطية، و{رَكَّبَكَ} جوابها والظرف صلة {عدلك}، وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك.
{كَلاَّ} ردع عن الاغترار بكرم الله وقوله: {بَلْ تُكَذّبُونَ بالدين} إضراب إلى بيان ما هو السبب الأصلي في اغترارهم، والمراد {بالدين} الجزاء أو الإِسلام.
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين كِرَاماً كاتبين يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} تحقيق لما يكذبون به ورد لما يتوقعون من التسامح والإِهمال، وتعظم الكتبة بكونهم كراماً عند الله لتعظيم الجزاء.
{إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ وَإِنَّ الفجار لَفِى جَحِيمٍ} بيان لما يكتبون لأجله.
{يَصْلَوْنَهَا} يقاسون حرها.
{يوم الدين}.
{وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغائبين}. لخلودهم فيها. وقيل معناه وما يغيبون عنها قبل ذلك إذ كانوا يجدون سمومها في القبور.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يوم الدين ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يوم الدين} تعجيب وتفخيم لشأن ال {يوم}، أي كنه أمره بحيث لا تدركه دراية دار.
{يوم لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمر يومئِذٍ لِلَّهِ} تقرير لشدة هوله وفخامة أمره إجمالاً، ورفع ابن كثير والبصريان {يوم} على البدل من {يوم الدين}، أو الخبر المحذوف.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة {إذا السماء انفطرت} كتب الله له بعدد كل قطرة من السماء حسنة، وبعدد كل قبر حسنة» والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة الانفطار:
{إِذَا السَّمَاءُ انفطرت (1)}
انفطارها تقدم الكلام فيه، وانتثار الكواكب: سقوطها من مواضعها كالنظام.
وقرأ الجمهور: {فجرت} بتشديد الجيم؛ ومجاهد والربيع بن خيثم والزعفراني والثوري: بخفها، وتفجيرها من امتلائها، فتفجر من أعلاها وتفيض على ما يليها، أو من أسفلها فيذهب الله ماءها حيث أراد.
وعن مجاهد: {فجرت} مبنياً للفاعل مخففاً بمعنى: بغت لزوال البرزخ نظراً إلى قوله تعالى: {لا يبغيان} لأن البغي والفجر متقابلان.
{بعثرت}، قال ابن عباس: بحثت.
وقال السدي: أثيرت لبعث الأموات.
وقال الفراء: أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة.
وقال الزمخشري: بعثر وبحثر بمعنى واحد، وهما مركبان من البعث والبحث مع راء مضمومة إليهما، والمعنى: بحثت وأخرج موتاها.
وقيل: لبراءة المبعثرة، لأنها بعثرت أسرار المنافقين. انتهى.
فظاهر قوله أنهما مركبان أن مادتهما ما ذكر، وأن الراء ضمت إلى هذه المادة، والأمر ليس كما يقتضيه كلامه، لأن الراء ليست من حروف الزيادة، بل هما مادتان مختلفتان وإن اتفقا من حيث المعنى.
وأما أن إحداهما مركبة من كذا فلا، ونظيره قولهم: دمث ودمثر وسب وسبطر.
{ما قدمت وأخرت}: تقدم الكلام على شبهه في سورة القيامة.
وقرأ الجمهور: {ما غرك}، فما استفهامية.
وقرأ ابن جبير والأعمش: {ما أغرك} بهمز، فاحتمل أن يكون تعجباً، واحتمل أن تكون ما استفهامية، و{أغرك} بمعنى أدخلك في الغر.
وقال الزمخشري: من قولك غر الرجل فهو غار، إذا غفل من قولك بينهم العدو وهم غارون، وأغرة غيره: جعله غاراً. انتهى.
وروي أنه عليه الصلاة والسلام قرأ: {ما غرك بربك الكريم}، فقال: جهله وقاله عمر رضي الله تعالى عنه وقرأ {إنه كان ظلوماً جهولاً}، وهذا يترتب في الكافر والعاصي.
وقال قتادة: عدوه المسلط عليه، وقيل: ستر الله عليه.
وقيل: كرم الله ولطفه يلقن هذا الجواب، فهذا لطف بالعاصي المؤمن.
وقيل: عفوه عنه إن لم يعاقبه أول مرة.
وقال الفضيل رضي الله عنه: ستره المرخى.
وقال ابن السماك:
يا كاتم الذنب أما تستحي ** والله في الخلوة رائيكا

غرك من ربك إمهاله ** وستره طول مساويكا

وقال الزمخشري: في جواب الفضيل، وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ.
بالاغترار: بالستر، وليس باعتذار كما يظنه الطماع، ويظن به قصاص الحشوية، ويروون عن أئمتهم إنما قال: {بربك الكريم} دون سائر صفاته، ليلقن عبده الجواب حتى يقول: غرني كونه الكريم. انتهى.
وهو عادته في الطعن علي أهل السنة.
{فسواك}: جعلك سوياً في أعضائك، {فعدلك}: صيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وطلحة والأعمش وعيسى وأبو جعفر والكوفيون: بخف الدال؛ وباقي السبعة: بشدها.
وقراءة التخفيف إما أن تكون كقراءة التشديد، أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، وإما أن يكون معناه فصرفك.
يقال: عدله عن الطريق: أي عدلك عن خلقة غيرك إلى خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق، أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيئات.
والظاهر أن قوله: {في أي صورة} يتعلق بربك، أي وضعك في صورة اقتضتها مشيئة من حسن وطول وذكورة، وشبه ببعض الأقارب أو مقابل ذلك.
وما زائدة، وشاء في موضع الصفة لصورة، ولم يعطف {ركبك} بالفاء كالذي قبله، لأنه بيان لعدلك، وكون في أي صورة متعلقاً بربك هو قول الجمهور.
وقيل: يتعلق بمحذوف، أي ركبك حاصلاً في بعض الصور.
وقال بعض المتأولين: إنه يتعلق بقوله: {فعدلك}، أي: لك في صورة، أي صورة؛ وأي تقتضي التعجيب والتعظيم، فلم يجعلك في صورة خنزير أو حمار؛ وعلى هذا تكون {ما} منصوبة بـ: {شاء}، كأنه قال: أي تركيب حسن شاء ركبك، والتركيب: التأليف وجمع شيء إلى شيء.
وأدغم خارجة عن نافع {ركبك كلا}، كأبي عمرو في إدغامه الكبير.
وكلا: ردع وزجر لما دل عليه ما قبله من اغترارهم بالله تعالى، أو لما دل عليه ما بعد كلا من تكذيبهم بيوم الجزاء والدين أو شريعة الإسلام.
وقرأ الجمهور: {بل تكذبون} بالتاء، خطاباً للكفار؛ والحسن وأبو جعفر وشيبة وأبو بشر: بياء الغيبة.
{وإن عليكم لحافظين}: استئناف إخبار، أي عليهم من يحفظ أعمالهم ويضبطها.
ويظهر أنها جملة حالية، والواو واو الحال، أي تكذبون بيوم الجزاء.
والكاتبون: الحفظة يضبطون أعمالكم لأن تجازوا عليها، وفي تعظيم الكتبة بالثناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء.
وقرأ الجمهور: {يصلونها}، مضارع صلى مخففاً؛ وابن مقسم: مشدّداً مبنياً للمفعول.
{يعلمون ما تفعلون}، فيكتبون ما تعلق به الجزاء.
قال الحسن: يعلمون ما ظهر دون حديث النفس.
وقال سفيان: إذا هم العبد بالحسنة أو السيئة، وجد الكاتبان ريحها.
وقال الحسين بن الفضل: حيث قال يعلمون ولم يقل يكتبون دل على أنه لا يكتب الجميع فيخرج عنه السهو والخطأ وما لا تبعة فيه.
{وما هم عنها بغائبين}: أي عن الجحيم، أي لا يمكنهم الغيبة، كقوله: {وما هم بخارجين من النار} وقيل: إنهم مشاهدوها في البرزخ.
لما أخبر عن صلبهم يوم القيامة، أخبر بانتفاء غيبتهم عنها قبل الصلي، أي يرون مقاعدهم من النار.
{وما أدراك}: تعظيم لهول ذلك اليوم.
وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب وابن كثير وأبو عمرو: {يوم لا تملك} برفع الميم، أي هو يوم، وأجاز الزمخشري فيه أن يكون بدلاً مما قبله.
وقرأ محبوب عن أبي عمرو: {يوم لا تملك} على التنكير منوناً مرفوعاً فكه عن الإضافة وارتفاعه على هو يوم، و{لا تملك} جملة في موضع الصفة، والعائد محذوف، أي لا تملك فيه.
وقرأ زيد بن على والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وباقي السبعة: {يوم} بالفتح على الظرف، فعند البصريين هي حركة إعراب، وعند الكوفيين يجوز أن تكون حركة بناء، وهو على التقديرين في موضع رفع خبر المحذوف تقديره: الجزاء يوم لا تملك، أو في موضع نصب على الظرف، أي يدانون يوم لا تملك، أو على أنه مفعول به، أي اذكر يوم لا تملك.
ويجوز على رأي من يجيز بناءه أن يكون في موضع رفع خبر المبتدأ محذوف تقديره: هو.
{يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً}: عام كقوله: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً} وقال مقاتل: لنفس كافرة شيئاً من المنفعة.
{والأمر يومئذ لله}، قال قتادة: وكذلك هو اليوم، لكنه هناك لا يدعي أحد منازعة، ولا يمكن هو أحدًّا مما كان ملكه في الدنيا. اهـ.